الجمعة، 27 أبريل 2012

نيران فى ظلال القاهرة !!

حذروه
قالوا له
"القاهرة هتبهرك وتاخدك من هدفك ..متنساهوش"
ولم يزيدوه حرفا آخر
تركوه وأفكاره
وهو عنده بعضا من الممنوع مرغوب
فرسم عقلة صورة طاغية
تستقبل الوفود لتغويهم
وتحدثهم أحاديث الحق بالباطل
شوارع واسعة تغرى بالحركة الانفلات عن القانون
لهو وهرج فى كل ركن 
منازل عالية تذوب مع السحاب
وفكر كثيرا فى اضوائها تلك
ملونة ..قوية ..غانية!
أرضا تقدم النجاح لمن يريده
لكن ما وجده اختلف قليلا أو كثيرا عن هذا
فهى لا تتكلم ولا تسمع ولا تتطغى
وشوارعها الواسعة المزدحمة
لا تغرى بحركة أو سكن
وأهلها لا يرحبون بقريب حتى يحتفلوا بمن لم يعرفوه
وأضواءها على شاكلة واحدة
لونها أسود قاتم !
ولم يجد له بين أهلها مكانا علويا ولا سفليا
اللهم إلامتران فى متر نصف يشاركهما مع غيره
على اقصى تقدير!
يقضى فراغه على السرير
بين التعب والتعب
إن لامسته أنامل النوم
أسرعة إليه مرافق اليقظة
فلا يهنأ بأحدهما
فهو يشعر بوحدة قاتله وفراغ عاجز
وهو يحب العزلة
لكنها الآن مفروضة عليه فلم يعد يطيقها
ولم يعرف كم أحب أهله وقريته إلا الآن
وهيعيش فى القاهرة كغزال
نقلوه عن حقول السافانا
إلى مراع لا تسمن ولا تغنى من جوع
يود لو يعود ألف مرة كل يوم إلى أمه..
وكان له فى القاهرة هدف وأمل
أما الهدف فقد ضاع كما ضاع الطريق وضاع هو أيضا
ولم يعد يبحث عنه لأنه اشتغل بالبحث عن نفسه
وأما أمله فكان يلقاه ليلا
ولست أدرى لم كان يحلو اللقاء فى الثلث الأخير من الليل
كأنما يشهدان الله على عهودهما
كأنما أحبا أن يرفعا أكف التضرع إلى الله
وكأنهما يدركان بطريقة ما
أن الله فى عليائة يكون أقرب ما يكن إلى السماء الدنا
وربما لنفس السبب يخجلان كثيرا من لقائهما
وكانا يختلسان اللذة هما حائران فى امرهما
تحدث كل منهما نفسه
وإن سمحا للحيرة بأن تحرك صفوها أحيانا
وكانت لفتاته روحا أرقى كثيرا من البشر
لكنها لم تدرك ذلك
فكان يحب أن ترى نفسها دائما بعينيه
كانا يجلسان هناك
هو يتكأ بجبهته على رسغيه على ركبتيه
وهى على مقربة من يمينه
تضم كفيها
وتدفع كتفيها للداخل كأنما يتقابلان
تنظر للأرض كأنما فى خشوع
هو يتكلم ..ويتكلم..
ثم تنتهى أفكاره فيصمت
وهى إلى جواره ساكنة
تحب صمته كما تحب ثرثرته
فلا تقاطع أيا منهما
ثم تطلب منه أن أكمل
"معنديش حاجة أقولها تانى"
"قول أى حاجة تيجى على بالك حالا"
وليس على باله إلا هى
إذن فلا مفر إلا أن يحدثها عنها
ولا أخفيك سرا
أنه فى الحقيقة يود لو أن يبدأ حديثه بها
ويكمل حديثه عنها
ثم ينتهى بحديثه إليها
يرفع يرأسه وينظر إليها
تشعر به
فيسيل على وجهها لون زهرة الجورى
ثم يختفى تدريجيا وبسرعة
ويصبح وجهها شاحبا
كأنما تتعجله فلا يطيل النظر
فيفهم ..وينظر أمامه
وترفع هى نظرها إليه فى حياء بالغ
ويدير وجهه إليها فجأة
وترى فى عينيه
جمرتان تهدآن شيئا
ثم كأنهما جليد يذوب
فيغسل ماؤه زجاج عينيه
ويكسوهما الماء لمعة مكسرة تنطفىء
ويعد كلا منهما إلى حالته
يشعران أن نظراتهما تغنى عن الكلام
لكنها ينطق يحدثها عنها
أما هى فأغلب الظن أنها تشعر أنه يبالغ
وأن ما يقول أكثر من الحقيقة وزائدها
أما هو فيشعر بأنه لم يوفها حقها
ولم يحدثها عنها بما ينبغى لها
وأن أكثر جهدة يبذله فى الكتمان لا الكلام
وكانت تسمع فى انتباه تام
تجبر من خواطرة المكسور
وتتمم منها ما هو مبتور
تضحك أحيانا
فتبدو أسنانها هلالا
يظهر على استحياء فى وضح النهار
كأنما يخشى الشمس فيتخفى خلف السحب
وتبكى كثيرا ولا تشعره بذلك
كأن دموعها تحمل الحزن الفرح
فتخص نفسها بالحزن
وتمنحه قوس قزح
ثم تهدأ انفاسه وتنتظم
ويعلما أن لم يعد هناك ما يقال
فيلتمس منها الحديث
فيباغتهما الفجر
ويشعران كأنها نصف ليلة فقط
وتتجدد الوعود باللقاء
ويغادران
وفى نفس أحدهما أمل فجر جديد
وفى نفس الآخر بغض للفجر شديد
........

هناك تعليقان (2):

اترك رسالتك لا تنتظر سماع الصفارة !